لماذا تفشل الشركات في إدارة المخاطر؟
الدرس الذي لا تتعلمه المؤسسات إلا بعد فوات الأوان
في عالم سريع التغيّر، لا تحتاج الشركات إلى قليل من الذكاء أو كثير من الحظ…
بل تحتاج إلى قدرة حقيقية على قراءة المخاطر قبل أن تتحول إلى أزمات.
الصورة التي تظهر يدًا تتحكم بمؤشر المخاطر من “منخفض” إلى “مرتفع” تجسد فكرة محورية في بيئة الأعمال:
المخاطر ليست حدثًا مفاجئًا، بل مؤشرًا يبدأ صغيرًا ثم يكبر مع الوقت، وغالبًا ما تُهمل العلامات المبكرة حتى تصبح المشكلة أكبر من قدرة المؤسسة على التعامل معها.
1) المخاطر لا تظهر فجأة… بل تنمو بصمت
المؤسسات التي تفشل في إدارة المخاطر تشترك في سلوك واحد:
تتعامل مع المخاطر وكأنها “أحداث طارئة”، وليست “اتجاهات” تتطور ببطء.
في الواقع، كل خطر كبير يبدأ بإشارة صغيرة:
انخفاض في رضا العملاء
تزايد شكاوى الموظفين
مبيعات تتراجع تدريجيًا
اعتماد مبالغ فيه على مورد واحد
تغيير تشريعي لم يتم التحضير له
لكن ما دام المؤشر لا يزال في المنطقة الخضراء… لا يتحرك أحد.
وهنا تبدأ المشكلة.
2) الفرق بين الشركات الاستباقية والشركات الارتجالية
يمكن تقسيم منهجيات الشركات في التعامل مع المخاطر إلى فئتين:
الشركات الاستباقية
هذه المؤسسات تقيس وتراقب وتخطط، وتتعامل مع المخاطر كما تتعامل مع الفرص:
جلسات تقييم دورية
أدوات تحليل بيانات
تقارير أسبوعية
تفويض واضح للمهام
هذه الشركات لا تنتظر المشكلة… بل تبحث عنها.
الشركات الارتجالية
تستيقظ فجأة على الأزمة، ثم تشكل لجنة عاجلة، ثم تبحث عن حلول في الوقت بدل الضائع.
هذه الشركات تدير المخاطر بالطريقة ذاتها التي تدير بها الحرائق… فقط عندما تشتعل.
3) المؤشر الحقيقي للمخاطر ليس الأرقام… بل ثقافة المؤسسة
حتى لو امتلكت الشركة أفضل الأنظمة والتقارير، فإنها لن تستفيد منها ما لم تكن الثقافة الداخلية داعمة.
بعض البيئات المؤسسية تمارس:
إخفاء الأخطاء
تجميد المبادرات
معاقبة المبلّغين عن المخاطر
تجاهل نماذج التحسين
ضعف الشفافية
وهنا تصبح المؤسسة في وضع خطر، مهما بدت مؤشرات الأداء جيدة.
ثقافة العمل قد “تخفض” أو “ترفع” مؤشر المخاطر دون أن يظهر ذلك في البيانات.
4) المخاطر ليست سلبية دائمًا… بل فرص إذا تمت إدارتها بذكاء
المؤسسات الرائدة عالميًا لا تهرب من المخاطر؛
بل تعرف كيف تحسبها.
مفهوم Calculated Risk يعني:
أن تتحرك نحو فرصة معينة رغم وجود درجة من المخاطرة، لكن بعد:
تحليل تأثيرها
دراسة نتائجها المحتملة
اتخاذ قرار مدروس
بدون إدارة فعالة للمخاطر، تصبح المؤسسة مشلولة… تخاف من التغيير، وتخشى التوسع.
5) خطوات عملية لبناء نظام إدارة مخاطر فعّال
1) إنشاء مصفوفة مخاطر (Risk Matrix) واضحة
لتحديد مستوى كل خطر من حيث:
احتمال الحدوث
حجم التأثير
2) تحديد مالك لكل نوع من المخاطر
الشخص الذي يتابع ويقيم ويقترح إجراءات علاجية.
3) تشغيل نظام إنذار مبكر (Early Warning System)
يعتمد على مؤشرات حقيقية: بيانات، شكاوى، اتجاهات السوق، تغييرات تشريعية.
4) تقييم شهري أو ربع سنوي للمخاطر العليا
لضبط الاستراتيجيات قبل أن تتفاقم التحديات.
5) ربط إدارة المخاطر بالأهداف الاستراتيجية
فلا قيمة لنظام لا يخدم رؤية المؤسسة.
**الخاتمة:
المخاطر لا تتوقف… لكن القدرة على إدارتها هي ما يصنع الفرق**
كما يظهر في الصورة، التحكم بالمخاطر ليس زرًا نضغطه…
بل منظومة تفكير تتبناها المؤسسة من أعلى الهرم إلى أدناه.
هناك شركات تفاجئها المخاطر،
وهناك شركات تفاجئ السوق بقدرتها على تجاوزها.
والفرق بينهما يبدأ بخطوة واحدة:
الاستباقية بدل الارتجال.